BESTA CMS TEMPLATE1

التصميم الأول

طب الأسر - 'تشاؤل' تونسي حول مستقبل البلاد في الذكرى الثالثة للثورة
منذ 1 سنة
الهاشمية نيوز-عمان:يبدو التونسيون "متشائلون" وهم يحيون الذكرى الثالثة لثورتهم التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي في 14 جانفي/ يناير 2010 إذ بقدر ما يفخرون بأنهم نجحوا في إنهاء حكم حركة النهضة الإسلامية يشعرون بأن أهداف الثورة التي قامت من أجل الحرية والكرامة لم تتحقق على أرض الواقع بعد أن خذلتهم الحركة الحاكمة طيلة ثلاث سنوات من حكمها. ويرى غالبية التونسيين أن رحيل حكومة علي العريض (القيادي في حركة النهضة) هو "أهم إنجاز" تحقق نتيجة نضالات مريرة قادها المواطنون والمعارضة والنشطاء، وهو رحيل سيفتح صفحة جديدة في تاريخ تونس الراغبة بالمشروع الحداثي والرافضة لمشروع "الأسلمة" الذي يجاهد الإخوان من أجل فرضه على أحد أبرز المجتمعات العربية تمسكا بقيم الليبرالية والعلمانية. غير أنهم لا يترددون في نفس الوقت في التعبير عن "تشاؤمهم" من مستقبل بلادهم التي تردت فيها أوضاع اقتصادية واجتماعية والسياسية بشكل ينذر بالخطر في ظل تراجع كبير لأداء مؤسسات الدولة والمجتمع التي تعرضت للنخر من قبل حركة النهضة منذ أن تولت الحكم إثر انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011. وبين "تفاؤلهم" بـ"ترحيل" حكم الإسلاميين الذي لم يجنوا منه سوى الفشل والإحباط وفقدان الثقة في السياسية والسياسيين و"تشاؤمهم" من مدى قدرة بلادهم على تحقيق تطلعاتهم إلى الحرية والكرامة والديمقراطية، يشق التونسيون طريق نضالاتهم ضد أشكال الاستبداد من أجل نحت ملامح صورة جديدة لبلادهم تكون في مستوى الثورة التي قادت الربيع العربي في 17 ديسمبر/كانون الأول، حين أقدم بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في مدينة سيدي بوزيد لتندلع الشرارة الأولى لانتفاضة شعبية عارمة سرت كالنار في الهشيم في جميع المدن التونسية. وتجمع المعارضة العلمانية ونشطاء المجتمع المدني وكذلك المواطن العادي على أن التفاؤل مشروع بعد أن قطع التونسيون أمام الإسلاميين (حركة النهضة والجماعات السلفية) مشروع "دولة دينية" تقوم على الاستبداد والديكتاتورية وفرض نمط مجتمعي وهابي غريب عن المجتمع التونسي الذي يعتنق المذهب المالكي المعتدل. ويعتقد الرأي العام التونسي أن أكبر خطر يهدد المجتمع هو تنامي سطوة جماعات الإسلام السياسي التي استفادت خلال السنوات الثلاث الماضية من حكم حركة النهضة إذ تجاهلت طبيعة قيم المجتمع التونسي وأمعنت في تنفيذ أجندتها شأنها في ذلك شأن جماعة الإخوان في مصر وغيرها من البلدان العربية. لذلك بدا رحيل حكم النهضة انتصارا لا للمعارضة فحسب وإنما للمشروع الحداثي التونسي الذي ناضلت من أجله أجيال من المصلحين منذ منتصف القرن التاسع عشر وتبلور مع المشروع الوطني الذي قادته دولة الاستقلال منذ عام 1956. ورغم "تعنتها"، فشلت النهضة في تقويض مؤسسات دولة مدنية قوية وفي تمزيق قيم المجتمع التعددي اللبرالي كما فشلت في "نسف" مكاسب دولة الاستقلال وفي مقدمتها حرية المرأة التي تعتبر في تونس عنوان الحداثة. وتعترف قيادات الحركة الإسلامية التي تعوزها الخبرة والكفاءة أنها على امتداد سنوات حكمها اصطدمت بمؤسسات دولة مدنية علمانية قوية واستعصى عليها تنفيذ أجندتها، حتى أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي اعترف في شريط فيديو مسرب عن لقاء جمعه بشيوخ السلفية أن "النهضة تحكم من فوق أما إدارة دواليب الدولة وتسييرها فإنه يتم من خلال كوادر علمانية ذات تجربة ومن الصعب اجتثاثها". وخلال الأشهر الأخيرة نجحت المعارضة المسنودة بحركات احتجاج واسعة وقوية في إنهاك النهضة التي فقدت الكثير من شعبيتها وبدت معزولة سياسيا وشعبيا الأمر الذي دفعها إلى القبول بخارطة الطريق التي يرعاها الإتحاد العام التونسي للشغل وثلاث منظمات من المجتمع المدني. وتهدف بنود خارطة الطريق إلى الخروج بالبلاد من الأزمة التي تتخبط فيها منذ اغتيال المناضل العلماني محمد البراهمي في 25 يوليو الماضي من خلال إنهاء فترة حكم النهضة. وساعد الضغط الذي مارسه الاتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب جهات داخلية وأجنبية على تقديم علي العريض استقالة حكومته الأسبوع الماضي وتكليف المرشح المستقل مهدي جمعة بتشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة تعهد إليها مهمة إدارة شؤون البلاد والتمهيد لإجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة قبل نهاية العام 2014. ويعلق التونسيون آمالا على الحكومة المرتقبة خاصة بعد رسائل الطمأنة التي تلقوها من مهدي جمعة وأكد فيها أن اختيار الفريق الحكومي سيتم على أساس "الاستقلالية والكفاءة والحياد" وذلك على الرغم من الضغوط التي تمارس عليه من قبل النهضة والمعارضة من أجل القبول بمرشحيها. وبالتوازي مع المسار الحكومي، يشعر الرأي العام التونسي بالأمل وهو يتابع تقدم المجلس التأسيسي في المصادقة على الدستور في ظل ضغط قوي تمارسه الكتل النيابية المعارضة على كتلة النهضة صاحبة الأغلبية. ورغم صعوبة مهمتها، نجحت الكتل النيابية للأحزاب المعارضة أن تكون صوت العلمانيين تحت قبة التأسيسي وأن تخوض معارك من أجل إصدار دستور يؤسس لدولة مدنية لا دينية وفرضت في الكثير من الأحيان على حركة النهضة التراجع عن أجندتها. ولعل من أهم ما عزز آمال التونسيين هو المصادقة على هوية الدولة باعتبارها دولة مدنية لا دينية وكذلك التنصيص على "حرية الضمير" و"تجريم التكفير والتحريض على العنف" و"المساواة بين المرأة والرجل" وهي بنود أثارت حفيظة كتلة النهضة غير المتجانسة بل وقادت إلى خلافات داخل حركة النهضة نفسها. وتقول مصادر مقربة من الحركة الإسلامية أن "حمائمها" تبذل جهودا من أجل "ترويض" صقورها على ضرورة تقديم تنازلات لإنقاذ الحركة حتى لا يؤول مصيرها إلى مصير حركة الإخوان المسلمين في مصر. وتضيف نفس المصادر أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي على الرغم من أنه يعتبر "الصقر الأكبر" تدخل لإقناع القياديين والكتلة النيابية بالتراجع عن تضمين الدستور اعتبار الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع وهو الموقف الذي تشبث به نائب الحركة بالتأسيسي الصادق شورو. ويعتبر التوصل إلى انتخاب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رافدا من روافد أمل التونسيين لكونه سيساعد على ضمان انتخابات حرة وشفافة ونزيهة ويقطع الطريق أمام رغبة حركة النهضة في الهيمنة على إدارة العملية الانتخابية. ويقول المراقبون إن النهضة تمر بأسوأ فترة منذ توليها الحكم ولم يبق لها سوى تحقيق رغبتها في إمضاء الدستور لـ"تسجل شيئ في تاريخها" مضيفين أن ذلك لا يعني شيئا أمام رحيلها الذي فتح الأمل في أن تفتح البلاد صفحة جديدة من تاريخها الذي يضيق بأجندات الإسلام السياسي. غير أن "التفاؤل المشروع" للتونسيين ينغصه "تشاؤم" لا يقل مشروعية في ظل حالة من الاحتقان الممزوجة بالإحباط نتيجة فشل السياسات التي قادتها حركة النهضة على امتداد السنوات الثلاث الماضية. وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على ثورتهم يشعر التونسيون أن أهداف ثورتهم لم يتحقق منها شيء يذكر أو يستحق التفاؤل حتى أن جزء من الرأي العام لا يخفي ندمه على أيام حكم الرئيس زين العابدين بن علي. قامت ثورة الربيع العربي التي انطلقت شراراتها من مدينة سيدي بوزيد المحرومة من أجل الحرية والكرامة لكن المواطن التونسي لا يتردد في القول أنه بعد ثلاث سنوات يعيش مسلوب الحرية وفاقد للكرامة سواء تعلق الأمر بالمستوى السياسي أو بالمستوى الاجتماعي. أحد أهم عوامل تشاؤم التونسيين هو تراجع هيبة الدولة وأداء مؤسساتها وعجزها عن تقديم الخدمات للناس في ظل حالة انفلات خطيرة لم يعتدها المواطن الذي يعتقد أن الدولة التونسية من أقدم الدول في العام العربي بما أنها تأسست عام 1705 على يد الحسين بن علي ثم راكمت تجربتها لتنضج مع دولة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1956. ولإحباط التونسيين ما يبرره على أرض الواقع ذلك أن الإسلاميين تعاملوا مع مؤسسات الدولة بمنطق الجماعة السرية ليس بمنطق الدولة فنخروها من الداخل بعد أن زرعوا آلاف الكوادر غير الكفأة في المحافظات وفي المؤسسات العمومية وفي مراكز قرار حساسة. وتقول المعارضة إن مؤسسات الدولة المدنية تعرضت خلال فترة حكم النهضة إلى "عملية تدمير ونخر ممنهجة" في محاولة لفرض "مشروع الأسلمة وهو ما جعلها تتراجع عن دورها. وتضيف المعارضة أن ما يعزز تشاؤم التونسيين حالة الانفلات العام بعد أن فقدت مؤسسات الدولة هيبتها لا فقط من خلال مشروع النهضة وإنما أيضا من خلال استهدافها من قبل الجماعات الإسلامية الجهادية التي تستهدف المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية. لكن الأخطر من ذلك هو أن الرأي العام يخشى أن يتم تدمير مكاسب الدولة الوطنية تحت عنوان "الثورة" في ظل دعوات إلى "شيطنة" المشروع الوطني الذي حقق الكثير من المنجزات وفي مقدمتها حرية المرأة ومبدأ المواطنة وحدا مقبولا من التنمية على الرغم من كل النقائص. وفي ظل هذا الوضع، يتوجس التونسيون من أن ينتهي المجلس التأسيسي إلى المصادقة على دستور على "مقاس النهضة" باعتبارها صاحبة الأغلبية، خاصة وأن الكثير من الفصول المبنية على "توافقات" تشهد جدلا كبيرا حتى أن الكتل النيابية باتت تجد صعوبة في التصدي لتمرير بعض الفصول إما لأنها ذات "نزعة دينية" وتشكل خطرا على مدنية الدولة أو أنها "تخدم النهضة دستوريا". بالتوازي مع ذلك يبدو المسار الحكومي "غير مضمون" في ظل ضغوطات تمارسها حركة النهضة من أجل دفع مهدي جمعة إلى تشكيل حكومة موالية للمشروع الإسلامي، وعلى الرغم من أن خارطة الطريق واضحة إلا أنه لا شيء يضمن تشكيل حكومة قريبة من النهضة التي تحاول الإبقاء على بعض الوزراء في حكومة لعريض المتخلية من جهة وترشيح أسماء قريبة منها من جهة أخرى. وعلى الرغم من تعهد جمعة بان حكومته ستقود البلاد حتى إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة إلا أن هذا التعهد يبدو صعبا على أرض الواقع في وقت تتحكم فيه كوادر النهضة بمراكز القرار على مستوى الإدارات وهو ما يعمق تشاؤم التونسيين من نتائج الانتخابات. ويقول الخبراء في القانون إن المطروح على جمعة مراجعة تلك التعيينات حتى تتمكن حكومته المرتقبة من الإقناع بأنها حكومة مستقلة ومحايدة مشددين على أن "نجاح الانتخابات يستوجب تهيئة الظروف الملائمة لإنجاحها وفي مقدمة تلك الظروف تعيين مسؤولين مستقلين ومحايدين على رأس المحافظات والإدارات حتى لا يتم شراء أصوات الناخبين". وبالتوازي مع الجوانب السياسية يسود تشاؤم لدى التونسيين بشأن الأوضاع الاجتماعية التي تمثل تركة ثقيلة للحكومة المرتقبة ليس من السهل تقديم حلول لها في غضون سنة تقريبا وهي مدة حكومة جمعة. وقادت تلك التركة إلى حالة من الاحتقان ما انفكت تتزايد ضد حكام تونس الجدد جراء ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في صفوف الشباب. وتبلغ نسبة الفقر 25 بالمائة وتصل إلى 40 في المائة في الجهات الداخلية المحرومة وفي الأحياء الشعبية التي تعد اليوم قنبلة موقوتة ومفرخة للجماعات الجهادية. أما نسبة البطالة فإنها تعصف بأكثر من مليون عاطل من جملة عشرة ملايين هم سكان تونس. وخلال الأسبوع الماضي قاد العاطلون عن العمل والعمال والفلاحون "انتفاضة" احتجاجا على ضريبة جديدة تم توظيفها على سيارات نقل المنتجات الزراعية، لكن الانتفاضة عكست عمق حالة الاحتقان التي يعيشها المجتمع التونسي ودرجة الغضب التي تجتاح فئات عريضة منه على حكومة فشلت في توفير مقومات العيش الكريم للمواطنين وهو ما يفسر إقدام المحتجين على إحراق مكاتب النهضة. وفي ظل غياب مخططات تنموية واضحة وناجعة تتعاطى مع المشاكل الحقيقية للتونسيين يبقى الوضع في تونس مرجحا لمزيد من الاحتقان وقد تضطر حكومة مهدي جمعة إلى الاكتفاء بـ"تصريف" الأعمال و"ترحيل أهم الملفات إلى الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات القادمة. ومن أخطر الملفات التي سيضطر جمعة إلى "ترحيلها" والتعامل معها بالحذر ملف الإسلام السياسي الذي يؤرق مجتمعا كثيرا ما قدم نفسه على أنه مثالا للتعايش بين الإسلام المعتدل والعلمانية اللبرالية، إذ توصلت الجماعات الإسلامية على اختلاف أنواعها إلى اختراق نسيج مؤسسات الدولة والمجتمع. ولا يخفي التونسيون اليوم خوفهم من أن تبطش تلك الجماعات بمكاسب الدولة الوطنية وتزج بالبلاد في فوضى سياسية واجتماعية بل ربما حرب أهلية خاصة وأنها تمكنت من إدخال كميات كبيرة من الأسلحة بعد تسلل عناصر القاعدة واستقواء جماعة أنصار الشريعة التي نفدت عمليتي اغتيال المناضلين العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ويرفض الرأي العام تقسيم المجتمع إلى علمانيين وإسلاميين مؤكدا على أن هذا التقسيم هو بداية لحرب أهلية أو على الأقل تشريع لتصفية المعارضة العلمانية. وعلى الرغم من حالة التمزق التي يعيشها التونسيون بين "التفاؤل" و"التشاؤم" فهم يعتقدون أن بلادهم تمتلك رصيدا حضاريا وأرضية سياسية واجتماعية تجعلها ريادية بالمقارنة مع عديد البلدان العربية الأخرى وهم يرون أن طبيعة الشخصية التونسية المتفتحة وتركيبة المجتمع المتعددة وقيم الثقافة المتسامحة تمثل روافد لانتصار مشروع الحداثة على مشروع الإسلام السياسي.

لا توجد تعليقات متاحة.

اكتب تعليق

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار [website] علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الإلكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
منوعات