التصميم الأول
-عمان:هل ما كان في الاردن ربيعا؟ ما زالت النخب السياسية في جدل حول ذلك.
هناك ثلاث آراء حيال ما جرى أردنيا خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر الربيع العربي. أما الرأي الأول فذلك الذي يقول إنه ربيع، وإنه ما يزال ينضج، بينما الرأي الثاني، فلا يراه أكثر من فعل شعبي أردني كان على نمطيته قبل قرار محمد بو عزيزي إحراق نفسه، وأنه استمر طوال الوقت كما بدأ، يسخن مرة ويبرد مرات، لا هو يزداد ليصبح ربيعا ولا هو ينقص ليتلاشى. في حين ما زال الرأي الثالث يشك، حائرا بين هذا وذاك.
الحق أن هناك الكثير من الأدلة والمستندات التي تدعم وتؤكد صحة كل رأي.
لكن الآراء الثلاثة تكاد تجمع ان تغييرا مهما حصل في المزاج السياسي الشعبي ووعيه وهو المتغير الأكثر ايجابية لما انتجه الحراك الأردني.
حسنا، لنعيد السؤال مجددا: بعد مرور ثلاث سنوات من انطلاقة الحراك الاردني، هل ما حدث بالاردن كان ربيعا؟ وهل صحيح ان الفعاليات المطالبة بالاصلاح تركزت في جنوب المملكة؟
النائب السابق الدكتور ممدوح العبادي لا يعلم من أين جاءت كلمة الربيع التي قال إن الإعلام سوّقها بعد أن أخذها من أوروبا الشرقية.
لكنه وهو يستسلم للمصطلح، يقول: إذا كانت كلمة الربيع تعني ان هناك ثورات شعبية تريد تغيير الواقع للافضل، فهو ربيع.
في هذا السياق لا يشير العبادي الى الشأن الاردني بل الى ذاك الذي وقع في البلدان العربية المعنية.
ولا يبخس النائب السابق الربيع حقه فتراه يقول: "في مجمل الامور حتى في الدول التي لم يتغير فيها رأس النظام اصبح هناك تغير حقيقي لديها".
اردنيا يستشهد العبادي "بارتفاع سقف الحريات الذي يقول إنه ازداد نسبيا واصبحت هناك جرأة عند الناس على المظاهرات التي ارتفع سقفها، وذلك نتيجة الشعور العام لدى المواطن بحقه في التعبير".
ويضيف، ما جرى في السنوات الاخيرة انه كانت جماعة شعبية جادة لتغيير الواقع واستطاع بعضها تغيير رأس النظام لكنها لم تغير الواقع الحقيقي الذي يحتاج الى سنوات طويلة.
وحسب تعبير العبادي فإن "اي شيء للامام هو ربيع فما حدث بالمغرب دليل حيث لم يتغير النظام. انا في الاردن فقد تغير ثلث الدستور".
هو رأي يختلف معه الدكتور محمد ابو رمان بالقول فما لم يكن ربيعا وما تبعه من نتائج لم يكن شيئا ذا بال.
ويضيف: "ليس ربيعا ما كان في الاردن فهو لم يتجاوز المربعات التقليدية في العلاقات بين الدولة والمعارض.
اما النتائج وما تحقق من اصلاحات دستورية وسياسية فنظريا يعتبرها ابو رمان خطوات للامام لكنها واقعيا لم تحدث فرقا في المعادلة السياسية ولم تؤدي الى تغيير نوعي في اسلوب الحكم بشكل تقنع الناس بالمشاركة السياسية في صنع القرار.
ويسأل ابو رمان: هل خرج الاردن من عنق الزجاجة وانتقل الى مرحلة سياسية جديدة؟ ثم يجيب: لا.
أكثر من ذلك يقول: "لم يدخل بعد الاردن في مرحلة المخاض المطلوب، مشيرا الى النتائج السلبية التي تحققت من هذا المخاض في مصر واليمن وليبيا.
ويشير الى تظافر العديد من الاسباب للحيلولة دون دخول المملكة في مرحلة الربيع العربي ومنها الحالة العربية والنظام كلاهما لم يذهبا الى ذلك.
لكن لماذا انفعل الجنوب الاردني في الحراك اكثر من غيره؟ مرة أخرى لا يرى ابو رمان ذلك ويقول: لا اتفق مع هذا الرأي فقد كان الحراك في حالة من الصعود والهبوط وفي البدايات كان الحراك المطالب بالاصلاح في عمان المركز الرئيسي اي بعد 24 اذار وفي منتصف 2011 بدأت تصعد المطالب في المحافظات ربما الاكثر بالطفيلة وحي الطفايلة ثم انتقل الحراك شمالا.
في حين يرى العبادي ان الجنوب كان الابرز حراكا بالفعل. اما لماذا؟ فلأنه الاكثر فقرا.
وهو ما يتبناه كذلك مدير مركز دراسات الشرق الاوسط جواد الحمد حيث يقول: تركز الربيع جنوبا اكثر كونه يعاني اقتصاديا اكثر من غيره ولكنه ايضا انتقل شمالا.
وتقسيم الحمد لما جرى اردنيا يقترب ليكون تقسيما زمانيا حيث يقول: في البداية ما حدث بالاردن كان ربيعا والتجاوب الرسمي معه في البداية انه كذلك، الا ان انقسام قوى المعارضة حول الموضوع السوري والقبول الامريكي والغربي لما انجز من اصلاحات اولية في الاردن جعل السلطات الاردنية تعتقد ان ما حصل في الاردن كاف.
"نعم لم يستكمل الربيع العربي في الاردن وفق المحطات الداخلية بما يسمى بالاصلاح السياسي". يقول الحمد.
لكنه يؤكد ان موجة الربيع العربي لاستكمال الاصلاحات قادمة لا محالة.
ما يعيب بعض العيون أنها لا ترى إلا ما يظهر أمامها. هنا تتعدد القراءات وتختلف التنبؤات.
نحن لا نتحدث عن ثورات "تيك أوي" يطلبها شعب فتقدم له على طبق جاهز. إنه حراك مجتمع يحتاج الى سنوات ليصبح الثمن مستساغا ومقبولا.
واذا صح ذلك، فإن القراءة التي تريد استخلاص العبر من الربيع العربي ومنه الاردني على اعتبار وصول الأمور الى النهايات هي قراءة متسرعة وعجولة.. فلا شيء في الافق يقول ان الامور استقرت .. فما زالت شعوب الربيع تناضل.
لا توجد تعليقات متاحة.
اكتب تعليق