BESTA CMS TEMPLATE1

التصميم الأول

جمالك في صحتك - المغتربون .. فكرة خادعة .. !
منذ 1 سنة
من مشاهداتي المتواضعة، أزعم أن الكثير من المغتربين الأردنيين في الدول الخليجية "مضروبون بحجر كبير" ببساطة. إننا نتخيلهم جميعاً أناساً أثرياء، خصهم القدر بتحقيق الأماني ورفاه العيش. يأتوننا في الصيف بسيارات حديثة فارهة، ومحافظ منتفخة وحقائب مليئة. وغالباً، لا يفضل هؤلاء البوح بالمصاعب وحقائق أوضاعهم في أماكن الاغتراب، إما لعدم الرغبة في إقلاق أهلهم، أو بإغواء الاحتفاظ بهالة المغترب الثري الذي ذكرت – ولو على زيف. ربما كانت صورة المغترب الوردية صحيحة في أوقات سابقة صنعت أثرياء. ربما تكون كذلك الآن بالنسبة لبعض المحظوظين. لكنها ليست بهذه الوردية في كثير جداً من الحالات الآن. حسب ما فهمت من زياراتي القليلة لأماكن الاغتراب، وما يحدثني به أصدقاء ثقات من المغتربين، فإنّ الكثيرين يعيشون هذه الخبرة لا ليثروا، وإنما ليعيشوا فقط، يوماً بيوم. إنهم لا يكسبون ما يدخرون منه، ولا يستطيعون شراء كل ما يرغبون، ولا يقطنون هناك بيوتاً أفضل من هنا. إنهم في الحقيقة يتعبون ويهلكون حتى يكسبوا ما يوفرون به حاجياتهم الأساسية، وكثيراً ما يغطي الدخل بالكاد المستلزمات التي تتراوح ضروريتها أو كماليتها من شخص إلى آخر، حسب الوضع. لكن الذي يبقي الكثيرين من الأردنيين هناك، إما إدراك أن من شبه المستحيل العثور على وظيفة تقي صاحبها الحاجة في الوطن، أو انتظار الفرصة التي تبدو ممكنة مع طول الإقامة والخبرة أكثر مما هي في الأردن، أو الخجل من العودة وإعلان الفشل. كل هذا مع التضحية بأساسيات في الحياة السوية: العلاقات الاجتماعية الدافئة، والأمان النفسي الذي يوفره العيش بين الأهل، والكرامة التي كثيراً ما تُسفح عند الآخرين، والكثير من التفاصيل التي تبدو عادية هنا، لكن افتقادها يصنع غصة كبيرة هناك. كما فهمتُ، قد يجد الشاب المبتدئ فرصة عمل في دولة خليجية براتب بين 1000 و1500 دينار أردني. لكن استئجار شقة صغيرة جداً –استديو- يجب أن يقضم ما يعادل 500 دينار شهرياً على الأقل. وإذا أراد الشاب الأعزب الاختصار، فسيعيش مع أناس آخرين يتقاسم معهم السكن ويتخلى عن الحرية من أجل توفير شيء، بحيث قد يسكن خمسة أو عشرة أشخاص في غرفتين. ثم، ليست الأشياء رخيصة هناك، إلا إذا قيست على ارتفاع الدخول. لكن المتبقي بعد أجرة البيت والمواصلات للشاب المبتدئ سيشتري له تقريباً ما تشتريه له الخمسمائة دينار أو الألف في الأردن. وستفرق الأمور فقط إذا كان صافي دخله 2000 دينار بعد الأساسيات، حيث يستطيع شراء ما يشتريه له ذلك، وهو ما تستطيع أن تشتريه الألفان هنا في الأردن. ولكن، من أين الألفين هنا؟ الأشياء هنا أغلى من هناك لأن الدخول بائسة جداً، وهذا هو أساس الفرق. بالطبع، هناك بعض الاختلافات. مثلاً، يستطيع المغترب أن يشتري سيارة جيدة هناك ببضعة آلاف لا تقاس بأسعار السيارات هنا. كما أن تسهيلات البنوك التي لا تقارن بما لدينا تسهل عليه امتلاكها بأقساط معقولة، لكنها تكون على حساب المصاريف الأخرى. وإذا ارتفع دخل الشباب بعد فترة دون قفزة وبشكل طبيعي، وفكروا بالزواج وتكبير المنزل، فإن مستوى المعيشة غالباً لا يتغير مع كبر العائلة. لكن طبيعة الحياة تجعل الناس يذهبون إلى المطاعم وأماكن الترفيه لمقاومة الضجر، بالإضافة إلى أن هناك بدائل للتنزه قليلة الكلفة. وهذه الأشياء أيضاً متوفرة بدرجة ما هنا. التفاصيل كثيرة لا يسعها المقام، لكن الذي أردت أن أقوله أن الكثيرين من هؤلاء المغتربين لم يكونوا ليخوضوا هذه الخبرة لو وفر لهم الوطن عملاً لائقاً بدخل يكفل عيشا معقولاً يشبه ما يحصّلونه في الغربة، وإنما بلا آلام الغربة. إن هؤلاء يعملون هناك لأن لديهم ما يقدمونه، وله ثمن يقبضون بعضه ويفيض أكثره إلى ربح صاحب العمل. لكن أحداً هنا لا يحتاج إلى عملهم ولا قيمته لأن عقل الاقتصاد مقفر أكثر مما ينبغي ومفلس من الأفكار والابتكار. وفي الحقيقة، يرى المرء هبات الأردن الأساسية وما لدى الآخرين، فيعجب من العجز حتى عن استعارة الأفكار! أما أن يحلم الأردنيون بالغربة التي حقيقتها كما وصفت، فلهم الله والصبر!

لا توجد تعليقات متاحة.

اكتب تعليق

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار [website] علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الإلكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
منوعات