منذ 1 سنة
-عمان:سبعة واربعون عاما مرت وارواحهم ترفرف في المكان...سبعة واربعون عاما مرت وتلك الجثامين الطاهرة لثلاثة جنود بواسل من جيشنا العربي الاردني ترقد في البقعة من الارض التي باركها الله في فلسطين حيث اتصال الارض بالسماء...سبعة واربعون عاما مرت في غفلة من الزمن وقبورهم موجودة تعاني من الاهمال ..واهل يبحثون عن ابناء لهم فُقِدوا في حرب عام 1967 مع الكيان الاسرائيلي...اهلٌ آن لانفسهم ان تهدأ وان تستقر بعد ان يعرفوا مكان جثامين ابنائهم واين يرقدون ولعل الزمان يجود عليهم بزيارة لهم يقرأون فيها الفاتحة لارواحهم...سبعة واربعون عاما مرت آن فيها لتلك الارواح الطاهرة ان ترقد بسلام في مكان هو الاطهر والاقدس.
قبل ايام واثناء مشاركتي في كرنفال شعري على الانترنت تكريما للشهيد (أي شهيد) وحصلت فيه على المرتبة الرابعة بعد ان تأهلت للمرحلة الثانية وبعد ان كان قد شارك فيه حوالي 46 مشاركا من الاردن وسوريا ولبنان ودول عربية اخرى تحدث لي غالب راشد من اربد واخبرني بان قريبا له في بيت لحم بفلسطين قد اخبره ان هناك ثلاثة قبور لشهداء اردنيين يرقدون في قبور مهملة وان عددا من ابناء المنطقة ينوي اقامة اضرحة تليق بهم لكن العائق الذي يقف في طريقهم هو معرفة اسماء هؤلاء الشهداء الثلاثة .. فوعدته اني ساتابع الموضوع وان هذا اقل ما يمكن ان اقدمه لهؤلاء الشهداء الذين ما بدلوا تبديلا فبدأت اتصالاتي مع احد الاخوة الذي يقوم هو ومجموعة من الشباب الفلسطيني المخلص بتبني هذا الموضوع فكان لقائي بالاخ خالد بركات.
يقول بركات المدرّس في احدى مدارس بيت لحم انه ومجموعة من اصدقائه وهم نزار موسى محمد العيسى و محمد مخلص اسماعيل و فادي فؤاد نخلة قطان قد توجهوا قبل بضعة أيام الى منطقة تقع بين بلدة بيت ساحور وقرية دار صلاح واللتين تقعان شرق بيت لحم حيث كانت وجهتنا ثلاثة قبور لثلاثة من شهداء الجيش الاردني الذين سقطوا في حرب العام 1967 نتيجة لغارة جوية استهدفت منطقة تواجدهم في مار الياس ودير العبيدية ونقلوا منها الى هذا المكان ولكننا فوجئنا بما شاهدنا لقد كانت الاضرحة الثلاثة تشبه اي شيء الا القبور فلم تكن سوى ثلاثة أشباه مستطيلات رسمتها حجارة مبعثرة تدحرج بعضها بعيداً فتشوهت حتى المستطيلات نتيجة لذلك اضافة الى انها لم تحوِ شواهد في أي منها عليها اسماؤهم فكانت قبورا بلا اسماء.
ويضيف توجهنا بعد ذلك الى أهل المنطقة مستفسرين عن القبور الثلاثة ومن تضم بين جنباتها الطاهرة فكانت الروايات مختلفة في كثير من التفاصيل وربما مرد ذلك الى ما يقارب النصف قرن الذي اصبح يفصلنا عن لحظات استشهادهم مشيرا الى ان كل الروايات على اختلافها أجمعت على ان القبور الثلاثة تحتضن رفات لثلاثة أبطال من الجيش الاردني كانوا بعمر الورود لحظة ارتقاء ارواحهم الطاهرة الى بارئها واكدوا ان جذورهم تعود لمدن وقرى لا يعرفون أسماءها . . فقد اخبر بعض كبار السن والذين لا نستطيع ان نؤكد شهاداتهم حسب قوله لان الزمن قد راكم كثيراً من غبار النسيان على ذاكرة كل منهم .. بأن احد الشهداء من الكرك وأكد آخر بأن شهيداً آخر من الطفيلة وذكرت أسماء بلدات أخرى لكن لم يستطع احد ان يقدم جواباً قطعياً للسؤال: ماذا نكتب على شاهد كل قبر؟؟
ويذكر بركات انه بعضا من الاهالي قد ذكروا له ان احد مواطني بيت لحم قد قام بنقل اثنين من الشهداء الذين سقطوا في مار الياس حيث خنادق للجيش الاردني ويدعى (اسماعيل الجمل) بسيارته الفوكس فاجن تحت وابل من القصف الاسرائيلي حتى تمكن من دفنهم في ذلك المكان بمساعدة اخرين ، مبينا ان الشيخ اسماعيل الجمل قد انتقل الى رحمة الله تعالى .
يقول بركات ان اهالي المنطقة وعرفانا منهم وتقديرا للشهداء الثلاث الذين هم لنا جميعا وتأكيدا على وحدة الدم والمصير قرروا عمل اضرحة لهؤلاء الشهداء الثلاثة بتبرع منهم اكراما لهم وحتى يبقوا شاهدين على مرحلة من التاريخ قدم فيها الجندي الاردني روحه في سبيل الدفاع عن فلسطين الغالية في وقت صدق فيه الرجال ما عاهدوا الله عليه فكانت ارواحهم هي الفداء مبينا انه قد تم اخذ المقاسات لهذه القبور ليتم بعدها بناء الاضرحة التي تليق بهم وتبقى شاهدا على وجودهم مؤكدا انهم لن ينتظروا تبرعا من ايٍ كان بل انهم هم سيبنون هذه الاضرحة وان لم يتمكنوا من معرفة الاسماء سيجعلونها نصبا تذكاريا شاهداً على مرحلة من مراحل التاريخ في المنطقة ولن يثنيهم عن فكرتهم ايّة معيقات مهما كلّفهم الامر فالشهيد له دينٌ في رقابنا مستحق.
واستكمالا.. للوصول الى الحقيقة التقينا بالشيخ يونس جدوع العبيدي (ابو ناصر) من بيت لحم والذي كان حينها مديرا لزراعة بيت لحم ويبلغ من العمر (25) عاما...يقول ابو ناصر وقعت الحرب عام 1967 وكنا مجاورين لخط النار في صور باهر والقدس والمكبر ولم نكن نعلم ماذا يجري في الداخل لكننا كنا نعلم ان هناك قوات اردنية غربنا تقاتل وهي حاجز بيننا وبين المعركة .. وفي اليوم الثاني من الحرب كنا جالسين في العبيدية وشاهدنا جنديا اردنيا حاملا بندقيته قادما من صور باهر والمكبر من الموقع الاساسي لسرية الجيش الاردني في ظهرة طباليا ومار الياس ويبدو عليه التعب وقد كنا متشوقين لمعرفة ما يجري على الارض فهرعنا نحوه نسأله فاخبرنا ان القوات انسحبت واتجهت للتجمع في منطقة الخان الاحمر لمواصلة عملها فقدمنا له الاكل فاكل لقمتين فجاءت سيارة عسكرية قادمة من وادي النار فيها السائق وبجانبه اخر فتوجه اليهم وصعد معهم وسالناه من اين انت فقال من الشوبك وبعد ان تحركت السيارة العسكرية بقليل وعلى بعد حوالي كيلو متر قامت طائرة اسرائلية بقصف السيارة قرب دير ابن عبيد فهرعنا الى المكان فوجدنا ان السائق والعسكري الذي بجانبه مصابان بجروح فيما الجندي الذي رايناه قبل قليل مصاب اصابة بليغة فاسعفنا الجرحى الذين اكملوا بعد ذلك مسيرهم الى وجهتهم ومن ثم جمعنا جثمان الشهيد ولففناه بـ ( بطانية) لدفنه فجاءنا في الوقت ذاته الشيخ اسماعيل الجمل وهو من الشخصيات المعروفة ومعه سيارته واخبرنا انه قد وضع جثمانين لشهيدين من الجيش الاردني في مغارة في وادي حلوة فحملنا جثمان الشهيد الشوبكي واتجهنا معه الى وادي حلوة واحضرنا الجثمانين الاخرين وقمنا بدفنهم سريعا في اقرب مكان نتيجة للحرب والقصف الاسرائيلي .. وفي اليوم التالي عدنا واخرجنا الجثامين وحفرنا القبور جيدا وقمنا بدفنهم وبما يليق بهم كشهداء للجيش الاردني قدموا ارواحهم دفاعا عن ثرى فلسطين دفناهم بلباسهم العسكري لافتا انه لايدري ان كان الشيخ اسماعيل الجمل( والذي هو الان في جوار ربه) قد احتفظ بالهوية المعدنية الخاصة بارقام الشهداء.
يقول ابو ناصر لقد تم الدفن في ارض عائدة لشخص اسمه صليبا بنوره (الحواري) من اخوتنا المسيحيين من بيت ساحور الذي لم يعارض الدفن حيث قام صليبا بعمل سلسلة حجرية حول القبور.
ويواصل ابو ناصر سرد القصة فيقول في 5/6/1968 قامت مجموعة من اهالي المنطقة بتكريم الشهداء وقمنا بوضع يافطة زيناها بالاية القرآنية «وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله» وكتبنا ايضا يافطة اخرى تشير الى ان تلك القبور لشهداء الجيش الاردني الباسل وقمنا بوضعها ليلا في الساعة الثامنة مساء ذلك اليوم.
يقول ابو ناصر لقد بقيت القبور مصانة حتى عام 1996 حيث قام وفد رسمي اردني يعتقد ان على رأسه الدكتور عبد السلام المجالي بزيارة الشهداء الاردنيين في المنطقة ومنها هذه القبور حيث قام رئيس اللجنة القروية في منطقة الخاص حينها (خضر حمدان) بتنظيف المقبرة ووضع الاعلام وزارها الوفد الاردني.
يضيف ابو ناصر ان الاسرائيليين قاموا بعمل طريق جديدة ما بين القدس ومستوطنة(تقوع) وكان الطريق الجديد سيمر فوق تلك القبور الا ان احتجاجات كبيرة ومتواصلة من اهل المنطقة ادت بالاسرائيليين الى ازاحة الطريق عن القبور لتبقى منطقة صغير تحوي القبور مثمنا صاحب الارض (صليبا بنوره الحواري) عدم تصرفه بالارض حفاظا على تلك القبور الطاهرة التي حوت جثامين لجنود اردنيين قدموا ارواحهم فداء لفلسطين.
يذكر ان ابو ناصر كان عمره حينها 25 عاما وقضى حوالي 12 عاما في السجون الاسرائيلية بعدها ابعد الى الاردن ليعود الى فلسطين عام 1994.
والتقى ظهر امس الثلاثاء رئيس مكتب التمثيل الاردني في رام الله السفير خالد عبد الله الشوابكة بوفد من لجنة صيانة قبور شهداء الجيش الأردني وذلك لمتابعة قضية قبور الشهداء الاردنيين الثلاثة الموجودة في منطقة بين قرية بيت ساحور ودار صلاح ببيت لحم في فلسطين.
واستمع السفير لشرح مفصل من الفريق المؤلف من خالد علي بركات راشد , نزار موسى محمد العيسى ومحمد مخلص اسماعيل غرير عن وضعية القبور العائدة لثلاث من شهداء الجيش الاردني الذين شاركوا في حرب عام 1967 واستشهدوا فيها والذين بينوا ان سعيهم لمتابعة هذا الامر نابعا من تقديرهم واعتزازهم بشهداء الجيش الاردني الذي رووا بدمائهم ارض فلسطين الطاهرة وتأكيدا لوحدة الدم والمصير .
وقال خالد بركات: ان السفير ابدى اهتماما كبيرا بالموضوع واخبرهم ان هناك متابعات مع وزارة الخارجية والقوات المسلحة الاردنية لمتابعة الامر والوقوف على حيثياته ، مؤكدا لهم ان هناك اهتمام كبير على اعلى المستويات بهذه القضية وانه سيقوم بزيارة لهذه القبور الثلاثة والاطلاع على واقعها.
لا توجد تعليقات متاحة.
اكتب تعليق